السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو تفكرت النفوس فيما بين يديها وتذكرت حسابها فيما لها وعليها لبعث حزنها بريد دمها إليها، أما يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ، نهاره في المعاصي وقد طال خُسرانه، وليله في الخطايا فقد خفَّ ميزانه وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه. يا من معاصيه أكثر من أن تحصى يا من رضي أن يطرد ويقصى يا دائم الزلل وكم ينهى ويوصى.
روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطوط مُسودة من البكاء.
بكى ابن مسعود حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به.
كان عبد الله بن عمر يطفئ المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه.
كان أبو عمران الجوني إذا سمع المؤذن تغير وفاضت عيناه .
بكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب وقيل له: نعالجك على أن لا تبكي فقال: لا خير في عين لم تبك.
يقول الحسن بن عدقة: رأيت يزيد بن هارون بواسط من أحسن الناس عينين ثم رأيته بعد ذلك مكفوف البصر فقلت له: ما فعلت العينان الجميلتان قال: ذهب بهما بكاء الأَسحَار.
يا هذا لو علمت ما يفوتك في السحر ما حملك النوم ، تقدم حينئذ قوافل السهر على قلوب الذاكرين، وتحط رواحل المغفرة على رباع المستغفرين، من لم يذق حلاوة شراب السحر لم يبلغ عِرفانه بالخير من لم يتفكر في عمره كيف انقرض لم يبلغ من الحزن الغرض.
قيل لعطاء السليمي: ما تشتهي قال: أشتهي أن أبكي حتى لا أَقدر أن أبكي. وكان يبكي الليل والنهار وكانت دموعه الدهر سائلة على وجهه.
من لم يكن له مثل تقواهم لم يعلم ما الذي أبكاهم ، فيا قاسي القلب هَلاَّ بكيت على قسوتك ويا ذاهل العقل في الهوى هَلاَّ ندمت على غفلتك، ويا مقبلاً على الدنيا فكأنك في حفرتك، ويا دائم المعاصي خف من غبِّ معصيتك ويا سيئ الأعمال نُح على خطيئتك.
------------
منتقاة من كتاب اللطائف – لابن الجوزي
تحياتي