هذا مقطع صغير جدا من هذا الكتاب وهو للامام القرطبي
باب ما جاء في سبب قبض ملك الموت
لأرواح الخلق
روى الزهري و وهب
بن منبه و غيرهما ما معناه : إن الله أرسل جبريل عليه السلام ليأتيه من
تربة الأرض فأتاها ليأخذ منها فاستعاذت بالله من ذلك فأعاذها ، فأرسل ميكائيل
فاستعاذت منه فأعاذها ، فبعث عزرائيل فاستعاذت منه فلم يعذها فأخذ منها ، فقال
الرب تبارك و تعالى : أما استعاذت بي منك ؟ قال : نعم . قال : فهلا رحمتها كما
رحمها صاحباك ؟ قال : يا رب طاعتك أوجب علي من رحمتي إياها . قال الله عز و جل : اذهب
فأنت ملك الموت سلطتك على قبض أرواحهم فبكى فقال ما يبكيك ؟ فقال : يا رب إنك تخلق
من هذا الخلق أنبياء و أصفياء و مرسلين ، و إنك لم تخلق خلقاً أكره إليهم من الموت
، فإذا عرفوني أبغضوني و شتموني .
قال الله تعالى : [ إني سأجعل للموت عللاً و أسباباً ينسبون الموت إليها ولا
يذكرونك معها ] ، فخلق الله الأوجاع و سائر الحتوف .
و قد روى هذا الخبر عن ابن عباس ، قال : رفعت تربة آدم من ستة أرضين و أكثرها من
السادسة و لم يكن فيها من الأرض السابعة شيء ، لأن فيها نار جهنم قال : فلما أتى
ملك الموت بالتربة قال له ربه : أما استعاذت بي منك ، الحديث بلفظه و معناه ذكره القتيبي و زاد فقالت الأرض : يا رب خلقت السماوات فلم
تنقص منها شيئاً و خلقتني فنقصتني .
فقال لها الرب : و عزتي و جلالي لأعيدنهم إليك برهم و فاجرهم ، فقالت : و عز تك
لأنتقمن ممن عصاك .
قال : ثم دعا بمياه الأرض مالحها و عذبها و حلوها و مرها و طيبها و منتنها فسقى
منه تربة آدم ، فأقام يخمره أربعين صباحاً ، و قال آخرون : أربعين سنة لم ينفخ فيه
الروح ، فكانت الملائكة تمر به فيقفون ينظرون إليه ، و يقول بعضهم لبعض : إن ربنا
لم يخلق خلقاً أحسن من هذا و إنه خلق لأمر كائن و يمر به إبليس اللعين فيضرب بيده
عليه فيسمع له صلصلة ، و هو الصلصال الفخار ، فقال إبليس : إن فضل هذا علي لم أطعه
، و إن فضلت عليه أهلكته ، هذا من طين و أنا من نار .
و قد قيل : إن الذي أتى بتربة الأرض إبليس و إن الله بعثه بعد ملكين ، فاستغاثت
بالله منه ، فقالت : إني أعوذ بالله منك ، ثم أخذ منها و صعد إلى ربه فقال : ألم
تستعذ بي منك ؟ فقال : بلى يا رب . فقال الله عز و جل : و عزتي لأخلقن مما جنت
يداك خلقاً يسؤوك ، و الله أعلم .
ويرجي اضافة رد